بالإمكان التحكُّم في الألم بأنواعه المختلفة وبدرجات متفاوتة، بداية من تقلصات الدورة الشهرية وصولاً لألم الروماتيزم والإصابات
الألم ليس إحساساً سهلاً أو بسيطاً، إذ يتأثر بشدة بالطرق التي يُعالج بها الدماغ إشارات الألم من أعضاء الجسم المختلفة. وفي الواقع، يمكن أن يثير الألم المزمن ردود فعل عاطفية قوية تزيد من حدّته، مثل الخوف أو القلق أو حتى الرعب والفزع، وذلك اعتماداً على ما يعتقده الفرد بشأن إشارات الألم لديه.
ومع ذلك بالإمكان تدريب الدماغ على أن يتعلم كيفية إدارة وتقليل الإحساس بالألم باستخدام مزيج من تقنيات التركيز العميق والتنفُّس والتخيُّل.
وتشير الدراسات العلمية في هذا السياق إلى أن أدوات التحكم في الألم هذه يمكن أن تعمل بشكل فعّال حتى لو كان الألم مرتبطاً بوجع موضعي نتيجة جرح أو إصابة بالغة وليس أنواع الألم الداخلية فقط.
وتقول جانيس إم سينجلز، أستاذة الصحة النفسية والصحة العامة، لموقع Healthline الصحي إنه “يمكن للأفراد المصابين بالتهاب المفاصل الروماتويدي تعلُّم تقنيات ذهنية وجسدية معينة لمساعدة الجسم والعقل على الاسترخاء وبالتالي تخفيف حدّة التركيز على شعور الألم”، حيث يمكن هذا بشكل عام من خلال تقليل مستويات هرمونات التوتر في الجسم، ما يسمح لجهاز المناعة أن يكون أكثر قدرة سواء على محاربة المرض أو للتعافي من الإصابات.
وتعمل بعض التقنيات على علاج الألم قصير المدى أو الألم المزمن من خلال الخطوات التالية:
ممارسة الرياضة لتقليل الألم المزمن
لفت موقع WebMD الطبي إلى أنه بالإمكان تقوية قدرة التحكم في الألم من خلال ممارسة التمارين الرياضية التي من شأنها إفراز هرمون معين في المخ قادر على تسكين الآلام وهو هرمون الاندورفين.
والإندورفين عبارة عن مواد كيميائية في الدماغ تساعد في تحسين الحالة المزاجية مع منع إشارات الألم من الوصول.
كما يمتلك التمرين تأثيراً آخر في تقليل الألم – فهو يقوي العضلات، ويساعد على منع تكرار الإصابة والمزيد من الألم بالتبعية. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد التمارين في الحفاظ على وزن منخفض وتقليل مخاطر الإصابة بـأمراض القلب والتحكم في مستويات السكر في الدم، وهي مهمة بشكل خاص إذا كنت مصاباً بمرض السكري.
لكن بالطبع يجب التأكد أولاً أن سبب شعورك بالألم لن يتعارض مع نوعية التمارين الرياضية التي تقوم بممارستها.
ممارسة تمارين التأمُّل والتنفُّس
إذا كنت ممن يمارسون عادة التأمُّل والتفكُّر والاسترخاء بشكل دوري، فبالتأكيد قد لاحظت إمكانية هذه التقنية في التحكم في الألم الجسدي والتوتر النفسي وتقليل القلق.
وحول ذلك، وجدت إحدى الدراسات التي أجريت عام 2011 ونشرتها مجلة Healthline أن تأملات اليقظة، والتي يتم فيها التركيز على التنفس والاسترخاء، يمكنها أن تقلل من شدة الألم في أي مكان في الجسم من 11% إلى 70%، وشعور الألم المزعج في موضع محدد من 20% إلى 93% لدى الأشخاص الذين تم وضع جسم حراري على جلدهم.
وأثبتت الدراسة أنه كلما زادت ساعات التأمل كان ذلك أفضل عندما يتعلق الأمر بقدرة الشخص على التحكم في الألم.
وإلى يومنا هذا، يحاول الباحثون دراسة تأثير التأمُّل والاسترخاء على مناطق الدماغ المسؤولة عن توصيل الشعور بالألم للإنسان وكيفية التحكُّم فيها.
أما بالنسبة لتمارين التنفُّس، الخبر السار هنا أنه ليس عليك أن تكون خبيراً في التأمل لجني ثمار تمارين التنفُّس.
وتقول سينجلز، الطبيبة وأستاذة الصحة النفسية لـ Healthline، إن ممارسة التنفُّس العميق الحجابي (وهو التنفس من البطن بدلاً من الاستنشاق السطحي والزفير من الصدر) يمكن أن يكون مفيداً للغاية.
وتوضح: “يساعد هذا في تسخير الجهاز العصبي السمبتاوي، وهو الاستجابة الهادئة في الجسم، على عكس وصد أعراض الإثارة التي تحدث مع إشارات الألم نفسها”.
وبحسب موقع Spine Health الصحي لإعادة التأهيل، ستحتاج من أجل أداء هذا التمرين أن تسترخي أولاً، وأن تضع نفسك في وضع مريح وأنت مستلقٍ في غرفة مظلمة.
وسواء رغبت في أن تغمض عينيك أو أن تركز نظرك على نقطة محددة. تأكد من أن وضعك مريح، استخدم وسادة أو غطاء لتشعر بالراحة التامة. ثم قم بالتالي:
1- قم بإبطاء تنفسك عن طريق: التنفُّس بعمق من خلال الأنف، باستخدام صدرك لسحب الهواء إلى معدتك، مع العد ببطء إلى رقم 10. ثم قم بالزفير ببطء من خلال فمك، مع زمّ شفتيك بلُطف، لمدة 10 عدّات أيضاً.
2- بعد أن تشعر بالاسترخاء، ابدأ في استخدام تقنيات التخيُّل التي سنذكرها خلال الفقرات التالية.
الضحك أيضاً يخفف من الألم
كشف الباحثون أن المقولة الشائعة التي تقول إن “الضحك هو أفضل دواء” حقيقية فعلاً. إذ وجدت دراسة تجريبية أجريت في جامعة كاليفورنيا أن الأطفال والمراهقين الذين شاهدوا مقاطع فيديو مضحكة وهم يغمسون أيديهم في دلاء من الماء المتجمد كانوا أكثر قدرة على تحمل الألم.
وعزت دراسة أخرى نشرها موقع Healthline تأثير الضحك في تخفيف الألم على إفراز الإندورفين، وهو مسكن طبيعي خاص بالألم كما سبق وأسلفنا.
وأكد الموقع الصحي أن حتى مجرد الابتسام يمكن أن يغير مزاج الشخص من سيئ إلى جيد وقد يساعد ذلك في جعل الألم أكثر احتمالاً نظراً للتحكُّم في مستوى التوتر في الجسم والشعور بالقلق حيال إحساس الألم نفسه.
التحكم في الألم باستخدام الخيال
كشفت الأبحاث أنه بإمكان الشخص التحكُّم في درجة شعوره بالألم من خلال تخيُّل المواقف الإيجابية ومحاولة الانتقال لها حسيّاً وكأنها حقيقية، كما وجد الباحثون أن انخراط الفرد في نشاط فني محبب قادر على تشتيت الذهن وبالتالي التحكم في الألم الذي يعاني منه الجسم.
وباستخدام الخيال، تخيل ألمك وكأنه كتلة حمراء نابضة، ثم حاول تقليص تلك الكتلة ببطء أو جعل لونها أقل حدّة فتتحول إلى الوردي ثم الأبيض تدريجياً.
كذلك تخيَّل نفسك على الشاطئ أو شاهد مخاوفك تتلاشى مثل غمامة من الدخان الرمادي الذي ينقشع بعدما تتخلله أشعة الشمس الدافئة.
وتقول الطبيبة وأستاذة علم الألم إلين سلاوسبي لموقع Healthline: “المفتاح هو معرفة أنواع الأشياء التي تريحك وتصورها والتأمُّل فيها ملياً، حيث اتضح أن التخيُّل كان رائعاً لمرضى التهاب المفاصل لتخفيف آلامهم بشكل ملحوظ”.
مضيفة أنه يمكنك أن تتخيل أنك في حمام دافئ ويداك تطفو على الماء، ثم اطلع على الصورة الكاملة للدخول في حوض الاستحمام وكيف ستنغمس أصابع قدميك وكاحليك وركبتيك ومفصل الورك وأسفل الظهر ووسط الظهر والكتفين تدريجياً في الماء الدافئ وزوال الألم ما أن يُغطّى بالماء.
وطبعاً من الممكن القيام بذلك بشكل حسّي حقيقي أثناء العمل على تكثيف الفكرة ذهنيا وتخيُّل أثرها في التحكم في الألم وتقليله تدريجياً إلى حين زواله تماماً.
التفكير في الطعام يمكن أن يُنسيك الألم!
من أجل محاولة التحكم في الألم، ثَبُتَ أن التفكير في الطعام المحبب بالنسبة لك أو الذي تشتهيه في اللحظة المعنية يمكن أن يساعد في تخفيف الألم بداية من تقلصات الدورة الشهرية والصداع النصفي وألم الإصابات السطحية وغير ذلك.
ووجدت دراسة أجراها باحثون من جامعة ويسكونسن الأمريكية أن تخيل طعام مفضل للشخص يخفف من حدة الألم المرتبط بغمر يد المشاركين في البحث في الماء المثلّج (وهي عملية مؤلمة جداً تستخدم في أبحاث قياس الألم).
وكانت الشوكولاتة هي الطعام المفضل بالنسبة لغالبية المشاركين الذين استطاعوا التحكم في الألم، حيث فضّلها 32% من المشاركين في الدراسة، وجاء بعدها في المرتبة الثانية تخيُّل وجبات الأطعمة المشوية بنسبة 31%، تلتها تخيُّلات المعكرونة والبيتزا بنسبة 14% لكل منها، وجاءت في المرتبة الأخيرة تخيُّلات الفاكهة بنسبة لم تتجاوز الـ4%.
تعليقات
إرسال تعليق