القائمة الرئيسية

الصفحات

أحرقوا أعظم مكتبة في التاريخ، وعاثوا فساداً في عاصمة الأمويين، ماذا تعرف عن المغول؟

 


عاشت أمم كثيرة على وجه هذه البسيطة منهم من خُلدت ذكراهم ومنهم من محت الأيام أسمائهم، بعضهم عاث فساداً وبعضهم كان سُلما مهدو الطريق للآخرين ليصعدوا بعدهم، ولعل بعضنا قد سمع عن الشعب المغولي وامبراطوريتهم العظمى التي امتدت وتوسعت، وبهذه المقالة  لعلنا نلقي الضوء على هذا الشعب وبعضا من أهم محطات حياتهم.

الأصل والجذور

مغول أو المنغول هم شعب شرق آسيوي من الشعوب القبلية وثيقة الصلة، والتي تعيش بشكل رئيسي على الهضبة المنغولية وتتشارك لغة مشتركة وتقاليد بدوية.

وطنهم مقسم الآن إلى دولة منغوليا المستقلة (منغوليا الخارجية)، ومنطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم في الصين، أدت الحروب والهجرات إلى تفرقهم وزعزعة قوتهم وخاصة في آسيا الوسطى.

“مغولي” لقب يطلق على كل إنسان يتكلم اللغة المغولية بما فيهم شعب الكالميك الموجودون في كالميكيا بشرق أوروبا، كان الظهور الفعلي لهم بداية القرن الحادي عشر، حيث كانوا قبائل صغيرة ومتناثرة  ما بين روسيا ومنغوليا حاليا، توحدت معظم قبائل المغول والترك في القرن الثالث عشر تحت مظلة حكم جنكيز خان، لم يتم تحديد أصل اللغة المنغولية بالضبط، فبعض علماء اللسان يرجعها إلى أنها تطورت البعض يرجحها إلى تأثير اللغة السيبيرية القديمة.

جنكيز خان (1165 – 1227م)، وهو مؤسس وإمبراطور الإمبراطورية المغولية، والتي اعتبرت أضخم إمبراطورية في التاريخ، توسعّت بعد أن قتل الملايين من سكان البلاد التي يحتلها، وقد ارتكب مجازر كبيرة بحق المسلمين، فبعد إنشائه إمبراطورية المغول وتسميته “بجنكيز خان” بدأ حملاته العسكرية، فهاجم  كل من الشعوب بما فيهم القوقاز والدولة الخوارزمية وفي نهاية حياته كانت إمبراطوريته قد احتلت جزءا ضخما من أواسط آسيا والصين.

كان رجلاً سفاكًا للدماء، وكان كذلك قائدًا عسكريًّا شديد البأس، وكانت له القدرة على تجميع الناس حوله، وبدأ في التوسع تدريجيًّا في المناطق المحيطة به، وسرعان ما اتسعت مملكته حتى بلغت حدودها من كوريا شرقًا إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية غربًا، ومن سهول سيبريا شمالاً إلى بحر الصين جنوبًا، أي أنها كانت تضم من دول العالم حاليًا: (الصين ومنغوليا وفيتنام وكوريا وتايلاند وأجزاء من سيبيريا، إلى جانب مملكة لاوس وميانمار ونيبال وبوتان).

إلى جانب إنجازاته العسكرية الضخمة، جنكيز خان جعل الإمبراطورية المغولية تتطور في وسائل أخرى، حيث أنه أصدر مرسوماً باعتماد الأبجدية الأويغورية كنظام الكتابة في الإمبراطورية المغولية.

وشجع على التسامح الديني داخل إمبراطوريته، ويكن له المغول الحاليون شديد الاحترام ويعتبرونه الأب المؤسس لدولة منغوليا.

عند وفاة جنكيز خان أشرس قادة المغول  عام 1227 ميلادية، كانت الإمبراطورية المغولية تمتد من المحيط الهادئ حتى بحر قزوين، أي أنها كانت تبلغ في حجمها الإمبراطورية الرومانية 

ودول الخلافة الإسلامية ثم توسعت لأكثر من هذا في العهود التي تلت، تحت حكم من أتى من ذريّة الأخير.

سقوط بغداد واحتلال بلاد الشام

بعد أن هلك جنكيز خان، وتولى الحكمَ ابنه تولي، حافظ على استقرار دولته، ولكن المصائب التي وقعت على العرب بشكل مخيف كانت في عهد هولاكو حفيد جنكيز خان، إذ كان هولاكو يشبه جده بـ دمويته، فقد توعد آخر خليفة عباسي وهو المستعصم بالله باقتحام عاصمة دولته العباسية، إلا أن رضخ له، فرفض الأخير ذلك، واختار بأن يتصدى لجحافل الجيوش المغولية، فلم تكن قوة جيشه تكفي بأن تحمي قصره حتى؛ وذلك لضعف إدارته، وعدم تمكنه من السيطرة على زمام دولته التي وصلت حد الشيخوخة.

إحراق مكتبة بغداد

بينما كان فريق من المغول يعمل على قتل المسلمين وسفك الدماء، اتجه فريق منهم لعمل آخر وهو تدمير وإحراق مكتبة بغداد، ربما كان السبب هو الشعور بالفجوة الحضارية الهائلة بينهم وبين المسلمين؛ فالمسلمون لهم تاريخ طويل في العلوم والدراسة والأخلاق، وعشرات الآلاف من العلماء الأجلاء في كافة فروع العلم، بينما المغول لا حضارة لهم التي قامت على شريعة الغاب.

تعد مكتبة بغداد أعظم مكتبة على وجه الأرض في ذلك الزمن، وهي الدار التي كانت تحوي عصارة فكر المسلمين لأكثر من ستمائة عام بالإضافة إلى الترجمات المختلفة لكل العلوم، الأجنبية سواء اليونانية أو الفارسية أو الهندية  قرابة خمسة قرون متتالية، ملايين الكتب في مكتبة واحدة في زمان ليس فيه طباعة اختفت بلمح البصر،حمل المغول ملايين الكتب، وألقوا بها في نهر دجلة بكل ما حملوه من حقد على  العرب عامةً والمسلمين خاصة.

حتى تحول لون مياه نهر دجلة إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب، وحتى قيل أن الفارس المغولي كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى ضفة أخرى.

واعتبرت جريمة بغداد جريمة ليست في حق المسلمين فقط، بل في حق الإنسانية جمعاء.

وبعد أن فرغ المغول من تدمير وإحراق مكتبة بغداد انتقلوا إلى المباني الأنيقة والإنجازات العمرانية فبدأوا بالتدمير والحرق، وسرقوا ونهبوا المحتويات الثمينة فيها، أما ما عجزوا عن حمله من المسروقات فقد أحرقوا وظلوا كذلك حتى تحولت معظم ديار المدينة إلى ركام، وإلى خراب تتصاعد منه ألسنة النار والدخان.

واستمر هذا الوضع قرابة أربعين يوماً كاملة، وامتلأت شوارع بغداد بالجثث المتعفنة، ولبست الشوارع اللون الأحمر، وعم السكون البلدة، فلا يسمع أحد إلا أصوات ضحكات المغول، أو أصوات بكاء النساء والأطفال والعجزة.

وهنا بعد الأربعين يوماً خاف هولاكو على جيشه من انتشار الأوبئة نتيجة الجثث المتعفنة مليون جثة لم تدفن بعد، فأصدر هولاكو بعض الأوامر ومنها خروج جيشه من بغداد حتى لا يصاب بالأمراض و الأوبئة، بعدها بدأ المسلمون في دفن موتاهم، ولكن كما توقع هولاكو انتشرت الأوبئة في بغداد بشكل مريع، حتى مات من المسلمين عدد هائل من الأمراض القاتلة وكما قال ابن كثير: “ومن نجا من الطعن، لم ينج من الطاعون!.

فبعد أن اجتاحوا بغداد، انطلق هولاكو وجيشه إلى بلاد الشام ، تنفيذًا لخطة أخيه “منطوقا آن”، فكانت حلب من أولى المدن سقوطًا على يده، بعد حصار دام مدة طويلة جداً

حيث التهمت النيران حلب وأكتظت أبوابها بجثث النساء والأطفال في مذبحة مروعة وصل صداها إلى دمشق، وأضحت دمشق الهدف المقبل لهولاكو التي تجمّع خلق عظيم فروا إليها من باقي الشام.

لما سمعت القاهرة نادى فيها شيخ الإسلام “سراج الدّين العمري” بالجهاد ضد المغول، وصدرت الأوامر بالتعبئة العامة، ووصلت الجيوش حدود دمشق التي كان سلطانها آنذاك “الناصر يوسف الأيوبي” يقود المعارك ضد جنود هولاكو، فلما علم أن أمراً يُدبر في مصر لإزاحتهِ عن العرش عاد مرفوقاً بفرسانهِ وترك دمشق تواجه مصيرها المحتوم.ِ

بعد أن تخلى سلطان دمشق عنها بدأ هولاكو الهجوم وأعيّاه صمود الأهالي بعد سنتين من الحصار، فأرسل مع القاضي “ابن المفلح الحنبلي “يعدُ بالمغادرة إذ هم دفعوا ألف دينار وحين جاؤوه بما طلبه أخلَّ بوعدهِ!.

فصادر الأموال وألزم الفقهاء بأنّ يكتبوا له شوارع دمشق، في تلك الأثناء دخل المغول دمشق فحاصروا قلعتها وقصفوها، لتبدأ مذبحة ذاق فيها أهل دمشق أشدَّ صنوف العذاب.

في حين سيقت النساء لإغتصابهنّ أمام أهاليهنَّ أما الرضع فقد جُمعوا صَفاً أمام المدينة تدوسهم الخيل حتى الموت.

كيف كانت نهاية المغول

عاد هولاكو بشكل مفاجئ إلى إيران بعد وفاة أخيه تولوي، وتابع صديقه كاتبغا المسير إلى مصر التي بدأ سلطانها قطز بالإعداد لردّ المغول، ولم ينتظرهم في القاهرة، بل فضّل الخروج لردهم قبل أن يصلوا وحاصروا المدينة، والتقى الجيشان في موقعة عين جالوت الشهيرة، القريبة من طبريا، وأجهز جيش المماليك على جيش المغول في معركة دارت رحاها من طلوع الشمس إلى العصر، فكانت تلك أول هزيمة يُصفع بها المغول بتاريخ امبراطوريتهم، وطردوا من الشام، واشتعلت عدة نزاعات داخل العائلة الحاكمة فانقسمت إمبراطورية المغول لثلاثة أقسام قاد هولاكو شطرها الفارسي، وأواخر حياته أرسل هولاكو عدّة جيوش بهدف الثأر من خسارة عين جالوت والقضاء على المماليك، الذين تمكنوا تحت حكم سلطانهم الظاهر بيبرس من دحر جميع الحملات، ثم تحالف بيبرس مع ابن عمّ هولاكو وهو بركة خان قائد القبيلة الذهبية الذي أعلن الحرب على ابن عمه، لكن هولاكو حاول أن يعيد لدولته الهيبة، فعاود المسلمون هزيمته.

وكانت تلك الجهود مشتركة بين بركة خان، ابن عم هولاكو والذي أسلم وكان له دور كبير جدًا في إضعاف دولة هولاكو وبين قطز والقوات التركية بقيادة أرطغرل، ما حدّ من خطورة جيوش هولاكو الذي توفي لاحقا سنة 1256م لـ تنتهي أسطورته التي تميزت بأخبار الحروب الدموية المدمرة رغم ما نُقل في بعض الكتب عن رعايته للعلم والعلماء في بعض فترات حكمه، حتى قيل بأن هولاكو مات إثر ضغطه النفسي بما حل بدولته من انقسام.

دخول المغول إلى الإسلام

لم يكن من المتوقع في يوم من الأيام أن يدين المغول بدين الإسلام، لما عرف عنهم من همجية ووحشية، والأغلب بأن أول أشهر قادة المغول الذين اعتنقوا الإسلام هو بركة خان، والذي تم ذكره سابقًا  ولكن في فترة إسلامه لم يكن للإسلام وجود عند المغول، أما في أوقات انتشار الإسلام بشكل كبير، كان بعد انقسام المغول إلى ثلاثة دول، مما أضعفهم وطرد منهم من بلاد العرب والأتراك، وحتى ذلك لم ينتشر الإسلام بسرعة، ولكن اعتنق غازان سابع الإلخانات وأعظمهم شأنا الدين الإسلامي في سنة 1295 م، وجعله دين الدولة الرسمي في فارس وفي عهد الخانات المغول الثلاثة، وذكر ابن كثير إسلامه قائلًا: “وفيها ملك التتار غازان بن أرغون بن أبغا بن تولوي بن جنكيز خان فأسلم، وأظهر الإسلام على يد الأمير توزون رحمه الله، ودخلت التتار أو أكثرهم في الإسلام ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رؤوس الناس يوم إسلامه، وتسمّى بمحمود”، وبعد ذلك توالى دخولهم الى الإسلام، ومن أشهر من اعتنق الإسلام ابن جغتاي بن جنكيز خان، والذي تسمى بغياث الدين، وبعدها توالى دخول المغول الإسلام، وكتب لكثير منهم الدخول إلى نور الإسلام بعد ظلام الكفر والدموية.

جنكيز خان وهولاكو كانوا من أهم الرموز المغولية، بنوا دولة كبيرة على مر التاريخ والزمان ولكن حل زمان جعل منهم انقاضاً دول وإمبراطوريات اخرى ليعود الزمان ويدور، وترجح كفته ضدهم، ليجعل منهم أسماء خالدة ولكن في صحف الشرور وسفك الدماء.


تعليقات