القائمة الرئيسية

الصفحات

مولانا سيد العاشقين.. تعرف على قصة أبرز أعلام التصوف في الدين الإسلامي!

 


“نحن فراغٌ لا يملؤنا إلا الحبّ…نحن عتمة ٌلا يضيؤها إلا العشق”

كلمات لجلال الدين الرومي أبرز أعلام التصوف في الدين الإسلامي، وأكثرهم تأثيراً على مر العصورحتى بعد مرور سبعة قرون على وفاته ما زالت ذكراه راسخة.

من هو جلال الدين الرومي؟

جلال الدين الرومي كما يعرفه الكثيرون هو محمد بن حسين بهاء الدين البلخي، كان عالما كبيراً مرموقا و فقيها إسلاميا، هو ذاك الشاعر والعالم الذي لم يدرس أصول الفلسفة بل درس العلوم الإسلامية التقليدية لكنه لم يكن عاديا أو تقليديا بالمرة، هو ذلك الإنسان الذي أخذ الدين من باب الرحمة والحب وبدأ طريقا و منهجا ميزّه عن كل الناس، وجعله ينتج خطابا مازال الى يومنا هذا خطابا عالميا كونيا.

جلال الدين الرومي حياته ونشأته

ولد في مدينة “بلخ” في خراسان التي تعرف اليوم بـ أفغانستان، بينما تشير بعض المصادر إلى أنه ولد في مدينة وخش، وهي طاجكستان حاليا، في عام 1207، اشتهرت عائلته بالالتزام الديني حيث كان والده بهاء الدين البلخي معلما في المساجد وقاضيا شرعيا وفقيها في المذهب الحنفي.

لم يعرف في طفولته أو شبابه الاستقرار، حيث أنه كان دائم التنقل مع عائلته، وأوعز كثيرون سبب مغادرة والد جلال الدين الرومي بلاده إلى بعض الخلافات السياسية الداخلية، بالإضافة إلى أنه كان معارضاً للسلطان بلخ فأجبرها على مغادرتها، وانطلق نحو وجهة جديدة كان بدايتها سمرقند في أوزبكستان ثم الى إيران والسعودية والعراق وانتهت بتركيا.

تنوعت المصادر التي استقى منها جلال الدين الرومي علمه ومعرفته بسبب تنوع الأماكن التي عاش بها، حيث نشأ جلال الدين الرومي في كنف عائلة مسلمة عالية الشأن بعمر الرابعة، وكانت بداية تعليمه في بغداد حيث ترعرع بها ودرس بالمدرسة المستنصرية  على يد “السيد برهان الدين  الترمذي”، الذي آمن به وأيقن أنه سيصبح عالما بالرغم من صغر سنه، تعلم فيها مبادئ الحساب والقراءة والكتابة ثم تلقى العلوم الشرعية على يد والده بعدها أرسله إلى حلب والشام ليزداد علماً ومعرفةً، وتتلمذ على يد عدد من كبار الشيوخ من أهمهم محيي الدين بن عربي حيث تلقّى علوم الفقه والحديث والصرف والنحو لمدة سبع سنين تقريبا، ثم عاد ليستقر في مدينة قونية سنة 623 للهجرة عاصمة سلاجقة الروم، والتي تعرف بتركيا اليوم ومن هنا جاءت تسمية جلال الدين بـ الرومي.

جلال الدين الرومي المعلم المحبوب

قرر معلمه الترمذي المغادرة ليترك خلفه رجلاً نابغاً عالماً ليسلمه الأمانة ودفة القيادة من بعده قائلا له “يا ولدي: لا يمكن أن تجتمع شمسان فى سماء واحدة فأنت قد أصبحت مرشدا كاملا مكملا، أنت تبقى هنا وأنا أغادر إلى بلادي”.

 شهد له الجميع ببراعته بالتدريس والفتوى وازداد المحبون حوله يوماً بعد يوم، وأصبح المرجع الأول لأغلب الناس في قونية.

كان جلال الدين الرومي بارعاً في إيصال أفكاره وآرائه الفلسفية، مستشهداً تارةً بالقرآن وتارةً أخرى بالأحاديث النبوية الشريفة وقصص السابقين وحكمهم، حظي برواج كبير في العالم وانبهر به المسلمون وغير المسلمين، حتى عكفوا على ترجمة مؤلفاته من اللغة الفارسية إلى عدة لغات عالمية.

تأثّر به كثيرون في جميع الأماكن والأزمان، ولا يزال الى يومنا هذا شعلة مضاءة يرجع إليه كثيرون من أبرزهم الشاعر الألماني”فريدريك روكيت”، الذي كان له انجازات بالترجمة من الأدب العربي والفارسي في القرن التاسع عشر، يقول  مادحاً جلال الدين الرومي، “أين ذاك النجم الذي هبط على الأرض والذي وصل نوره، أين مولانا جلال الدين الرومي؟ أعظم العارفين وأقدس المُقدَّسين في كل الأمم”.

أما المستشرق الإنكليزي آرثر جون اربري قال “سأنفق ما بقي من عمري في دراسة أعمال مولانا جلال الدين الرومي”.

شمس الذي غير حياته

لعل أكثر ما يميز مسيرة هذا العالم هو العشق الإلهي الذي جمعه مع “شمس التبريزي”، وذلك اللقاء الإستثنائي الذي غير مجرى حياته  عام 1244، عندها كان بـ أواخر الثلاثينيات أما شمس ذاك الشيخ الفارسي كان بالستينات.

شمس المعلم الروحي الذي جعله ينعزل عن كل الدنيا عن أحباءه وأهله وطلابه ذلك الدرويش الذي قلب له حياته رأساً على عقب.

انتقل بعدها لمرحلة مختلفة في حياته لم يسبق لها مثيل  “مرحلة التصوف”، وانخرط بها وقطع صلته بتلاميذه والناس، كثرت الأسئلة والشكوك والنوايا حتى أصبح شمس مهدداً من قبل كثيرين، فهو من أخذ ذلك العالم الجليل من أهله وأحبائه وناسه.

آثر شمس على تركه وأخذ الرحال مغادراً نحو الشام، وتأججت نار الشوق والحنين لتحرق قلب مولانا جلال الدين الرومي، وبدأ يبحث عن خيط يدله على طريقة.

“سمعت عزمك على فراقنا  رجاءً لا تفعل  تميل الى حميم أو صديق أخر، تبحث في عالم الغربة يا غريب وأي فؤاد مريض تقصد، رجاءً لا تفعل، لا تسرقنا منّا، لا تتركنا وتغادر الى الغربة، بهذا تصيب المسروقين الآخرين، رجاءً لا تفعل يا من تهدّم القمر  الكون من أجلك، إنك تهدمنا هدماً رجاءً لا تفعل يا من مقامه فوق الوجود والعدم”، قالها جلال الدين الرومي بحرقة كبيرة حزينا على شمس.

تواردت الأقاويل عن مكان شمس وعلم أنه ذهب نحو الشام، فأرسل بـ ابنه “سلطان ولد” ليحضر شمس  يأتي به، عاد شمس وعادت الفرحة لقلب مولانا وعاد الغائب المنتظر منذ شهور.

عادت الصداقة من جديد شمس وجلال الدين الرومي ضمن جلسات طويلة عيون الناس لا تغلق عنهما، ما لبثت الفرحة أن تكبر بقلبه حتى اختفى شمس الدين، ولكن هذه المرة دون عودة وخبر، حتى كتب التاريخ عجزت عن معرفة مكانه.

انعزل مولانا عن الجميع ليعيش مشاعر الفقد والحزن وحيداًعلى شمس، ويقال بـ أن جلال الدين الرومي لم يحزن بحياته قط كما حزن على شمس، ونظم به ديوان شعر كامل أسماه “شمس الدين التبريزي”.

وجد جلال الدين الرومي بشمس ما لم يجده بأحد، فهو من أكمل له ما كان ينقصه، وبعد رحيل شمس أيقن مولانا أن شمسهُ شمس لن يغيب فهو في قلبه دوماً.

جلال الدين الرومي ليس مثله أحد

بنى جلال الدين الرومي صرحاً ثقافيا وأدبيا ليظل واقفا شامخاً إلى يومنا هذا، علّم الناس فيه معنى الحب الإلهي، وحث محبيه على عدم التفرقة بين الأديان، وركزت تعاليمه على الإحسان والخير وأكد على أن الدين هو لغة الحب مع الخالق.

 تمسّك بالصوفية وأسس ما يعرف بـ المولوية الصوفية، واشتهرت بعدهُ بطقوس الرقص الدائري حول النفس ويعتبرها الصوفيون مناجاة للخالق.

كما نُسب إليه المذهب المثنوي في الشعر ويعتبر ديوانه أكبر مرجع صوفي، كتب فيه آلاف أبيات الشعر عن العشق الالهي لكن من منظور “صوفي رومي”.

بالإضافة إلى الآلاف من أبيات الشعر والنثر جمعها محبوه حتى وصلت الينا شبه كاملة منذ القرن الثالث عشر، كانت سيرته الذاتية ملهمةً  لكثيرين من الكتاب وأهمهم الكاتبة التركية “إليف شافاق”، التي كتبت رواية تعد من أهم الروايات  وهي “قواعد العشق الأربعون”، تُرجمت إلى لغات كثيرة.

وفاة جلال الدين الرومي

فارق الحياة عام 1273 تم تشييع جثمانه ضمن جنازة حاشدة حضرتها أعدادٌ غفيرةٌ من تلاميذه ومحبيه، شارك فيها المسلم وغير المسلم، ويشير المؤرخون أن جنازته حضرها أشخاص من خمس مللٍ مختلفةٍ  ودُفن في مدينة قونية بجانب قبر والده تبعاً لوصيته، وأُطلق على ليلة وفاته ليلة العرس  تحولت فيما بعد إلى احتفال صوفي يحييه محبوه إلى يومنا هذا.


تعليقات