القائمة الرئيسية

الصفحات

الحلقة الثانية من 365 يوم من الجحيم ... القفز أو الشيطان


 الحلقة الثانية : القفز أو الشيطان

365 يوم في الجحيم 

#365 

نظرت إلى العنوان التالي ، ثم التفت لانظر خلفي ظناً مني إني سأجد أخي الصغير مرة أخرى يقف خلفي وينظر إلي تلك النظرات الشريرة ، إلا أنني وجدت نفسي تنظر إلي ! 

بقدر ما تظنون أن الموقف مخيف ، إلا أنني شعرت براحة كبيرة عندما رأيته ، فإذا كان أصدقائي وأقربائي يريدون قتلي في البارحة ، على الأقل لن أقتل نفسي ! 

جلست على الأرض وقلت: 

“من أنت؟ “ 

أجابني : 

” أنا قرينك ، لا تخف أنا هنا لأساعدك ولم أتي لأؤذيك “

قريني ! حقاً لم يكن ينقص هذه القصة إلا قرين ! قلت له: 

“أتعلم ما الذي يحصل .. هل أنا أحلم ؟ هل ما حدث البارحة كان حلماً “ 

ما أغباني ! هل قلت البارحة.... يبدو أنني بدأت أصدق هذه الخرافات 

“لا تقلق ، لن يصيبك مكروه ، كل ما عليك فعله هو انتظار هذه الأيام حتى تنتهي ، ثم ستعود إلى حياتك مجدداً“ 

“ هل تقصد أن علي الموت ثلاثمئة مرة كما مات فرعون الغبي من خمسة آلاف سنة !!”

“نعم ، أنت الآن داخل يومياته ولن تستطيع الخروج حتى تقرأها كلها ، أو تعيشها كلها ، لكن ما حصل لك البارحة لم يكن شيئاً ، إنما مجرد تعريف لك بأنك ستموت كل يوم إلى أن تخرج من هذه الدوامة “

وبدأ يشرح لي عن قوانين هذه اليوميات ، إذ يجب عليي أن احمل الكتاب معي في المستقبل لأنه سيتوجب علي قراءة تعويذات معينة وحل ألغاز و جمع أغراض معينة ، وإن لم أنجح سأعلق في اليوم الذي فشلت فيه إلى أن استطيع النجاح ، ولكن موتي في كل الأيام حتمي ، سواء نجحت أم فشلت في هذه المهام ، 

ولم يكد قريني ينهي كلامه إلى أن بدأ منزلي يتهدم ويخرج شيء من الأرض يشبه القصور ولكن من العصر الحجري ، 

بدأت اعلو في السماء وشكل البيت لم يتوقف عن التغير إلى أن أصبح شيئاً مختلفاً تماماً عن بيتي ، وأظن أنه قصر فرعوني من نوع ما .

بدأ أحدهم يطرق على الباب طرقاً تظنه يريد إحداث زلزال به ، نظرت إلى قريني لأساله من هذا فلم أجده ، أين ذهب .. ؟!

ثم سقط الباب الذي يساوي عمارة كاملة في طوله و انحنى قليلاً ليدخل من الباب لأن الباب كان قصيرا عليه .

نظرت إليه ، فإذا هو كائن ما ، لديه أرجل ماعز لونهما أسود داكن ويكسيهما الشعر الكثيف 

ولديه ذيل من الأشواك الملتهبة و يدان مثل أيدي لاعبي كمال الأجسام ، مكسية بجلد حرشفي داكن اللون ، وجهه يشبه الإنسان في تفاصيله العامة ، إلا أن له عين ثالثة في جبينه وقرنان طويلان يخرجان من جانب عيناه ، و أظن أني قد رأيت أصابع أقدام لإنسان قد علقت بين أسنانه المئة، ناهيك عن أذني العفاريت والشعر الطويل عند أسفل ذقنه ، عندما مشى باتجاهي أغمضت عيناي متمنياً مني أن أموت بسرعة وأعود للحياة في اليوم التالي ، إلا أن الأمر لم يكن بهذه السهولة ، إذ اخرج شيئاً من أصابع يده وكأنه ظفر طويل وغرسه في معدتي ، شعرت حينها بألم لا يوصف، رفعني للأعلى وبدأت دمائي تسيل على وجهه ، ثم قال لي : 

“أتظن أن الأمر بهذه السهولة ؟ أتظن أن نتركك بعد الذي فعلته ؟؟ “ 

صدقوني أريد أن اعرف ما الذي فعلته بقدر ما تريدون ، ولكني لم أستطع النطق بحرف واحد بعد أن شاهدت عائلتي تسبح في الحمم داخل فمه ويستنجدون بي .

ظننت أنها نهاية اليوم ولكن لم تكن إلا بدايته 

أخذني ومشا بي خارج القصر ، كانت الأهرامات موجودة بجانبنا ، وكان هناك بركان بجانبها 

لم أعد أظن أن من في هذه القصة من البشر ، فأشكال الناس في الخارج لا توحي أبداً بأنهم بشر 

لقد كانو جميعاً ينظرون إلي ، حشد كبير من الجن أو العفاريت لا أعلم لكني أعلم إنها مخلوقات مخيفة أجسادها تشتعل ناراُ ولها قرون منها صغير ومنها كبير .

مشينا بينهم وصعدنا إلى قمة ذلك البركان ، ثم وقفنا في الأعلى وقال لي أحدهم : 

“القفز أو الشيطان ؟ “ 

لم أكن أعلم ما هو الشيطان ، لكني توقعت أن يكون القفز أسهل ففيه موت محتوم ، فاخترت القفز على الفور ، وعندما رما بي على الأرض وسحب ظفره من معدتي شعرت وكأنني أصبحت نصفين ، لكنني تمالكت نفسي و اقتربت من الهاوية لأجد حفرة مليئة بالشياطين لا تستطيع رؤية شيء سواهم .

لم أعلم ما علي فعله ، لكني بالتأكيد لا أريد التواجد مع هؤلاء الشياطين في الأسفل ، لأنني رأيت بينهم شخصاً لم يكن ميتاً ، بل كانو يعذبونه عذاباً لا يخطر ببال بشر ، كان هناك واحد منهم يرسم على جبينه بالجمر ، وآخر يقطع أصابعه ويلصقها بجسده ، وواحد قد وضع يده داخل فمه وأخرجها من معدته ، فتراجعت على الفور ، لكن الجميع كان يصيح “ اقفز” 

حاولت الهرب بعيداً إلا أن لجاماُ حديداً أمسك بي من فمي وبدأ يسحبني إلى أعلى الحفرة

بدأت بالبكاء و أصرخ: 

“ اتركوني لا أريد القفز “ 

لكن دون جدوى ، تم إيصالي إلى أعلى القمة ، وغرس ذلك المخلوق أظفاره في جسدي ورفعني 

ورمى بي إلى البركان ، بدأت أصرخ وأطلب النجدة لأني علمت أنني لن أموت ، أغمضت عيناي لكي لا أرى ذلك المنظر البشع ، فإذ بي أصحوا مجدداً على صوت تلك الطرقة ، لم أعلم ما الذي حدث ، نظرت إلى الكتاب لعل أجده مغلقاً كما تركته ، ولكنه كان مفتوحاً كالعادة ، نهضت إليه لأرى ما سيحدث معي هذا اليوم ، وتفاجأت بأنني لا زلت في اليوم الثاني ولم يتغير شيء من الكتابة ، نظرت خلفي فلم أجد قريني ، لم أفهم ما حصل ، بدأت أصرخ وأشتم ، إلى أن سمعت صوت قريني يقول :

“ اتخذ القرار الصحيح ولا تنس الكتاب “ 

ثم بدأ منزلي يتحول إلى القصر ، ودخل ذلك المخلوق المخيف ليقوم بحملي إلى البركان ، أمسكت بالكتاب ثم حملني ومشى بي إلى البركان ، ثم رماني على الأرض 

سمعت الصوت ذاته يقول لي “ القفز أو الشيطان” 

فأمسكت الكتاب وفتحت الصفحة الثانية وقد كتب فيها : 

“القفز أو الشيطان ؟ هل ستواجه “ثرانوس” أم ستهرب إلى الأمان ؟ “ 

في نفسي أردت أن أهرب إلى الأمان بشدة ، ولكني علمت أن الصواب هو المواجهة فقلت

لا بل الشيطان، ثرانوس ! 

أعلم أني سأندم على هذا ولكن ما باليد حيلة 

فجأة بدأ البركان بالهبوط ، وبدأ نوع من العروش بالصعود مكانه ، وكان عليه شيء يكفي وصفه بالشيطان ليتم تخيل إليكم شكله ، فقال لي :

“ يا ارخسيس ، أنا صنع يديك ، أنا من سيقضي عليك اعرفتني يا ارخسيس “ 

أردت أن أخبره إني يزن وأن لا علاقة لي بالمشاكل بينه وبين ارخسيس ولكني فهمت إني الآن ارخسيس 

أمسكت الكتاب وإذا يضيف جملة أخرى ويقول:

“ أنا صنع يديك ، أنا من سيقضي عليك ، أنت من بدأت بصنعي أما أنا فهو من ينهيك “ 

في الحقيقة نعم هذه العبارة لا تساعد بشيء إطلاقا فما هي إلا لغز آخر مثل الذي أخبرني إياه هذا الشيطان ولكني فكرت قليلاً ، ما الذي يقصده ارخسيس من هذه الكتابة ؟ 

ما الذي صنعناه بيدنا وسيقضي علينا ؟ 

نعم إنه بديهي ، أعلم ما الذي دار في عقولكم ، لقد صنعنا الحروب وصنعنا السلاح بيدنا ولم نجبر عليها ، نحن البشر من جلب الدمار الى كوكب الارض .

نحن من بعثنا فيها فساداً وخربنا فيها كل شيء ولكن هل يقتصر الأمر على الحروب ؟ 

لقد صنعنا الكثير من الأشياء التي دمرتنا ، انشأنا شبكات تواصل اجتماعي ما زادتنا إلا بعداً عن بعضنا .

صنعنا الرجال الآليين والسيارات والآلات فما زادتنا إلا كسلاً و مرضاً وتلوثاً لبيئتنا .

لقد خربنا هذا الكوكب بما فيه الكفاية ، ولكن ألم ننتهي من تفكيرنا المنطقي ؟ أنا في قصة يملؤها الجن والشياطين ، وفوق ذلك في عصر الفراعنة ! 

لا أظن أن تفكيري المنطقي سينفعني في شيء هنا ، يجب علي أن أفكر مثل ارخسيس

لحسن حظي كنت ماهراً في مادة التاريخ وكان لدي اهتمام خاص بالفراعنة وحضارتهم و عن بطشهم بشعوبهم 

فعلمت أنه يجب أن أذكر أخطاء ارخسيس فوقفت وقلت له : 

أنت ملك لم يكن له مثيلاً قط ، 

أنت عبد قطعت رأسه لأنه أخطأ بالإنحناء لي، 

أنت جندي أرسلته ليقاتل في معركة لم أرد منها إلا عزة النفس ، أنت عامل أجبرته على العمل بالسوط حتى مات فلم أطعمه ولم أتركه يذهب ليقين نفسه 

، أنت أخي الذي قتلته يوماً كي لا ينافسني ،

أنت أبي وأمي الذين نفيتهما حتى لا ينتقدا حكمي وأفكاري ،

أنت مال خبأته في خزانتي وتركت الناس تموت دونك 

، أنت امرأة أجبرتها على العمل عندي حتى أمنع الموت عن أهلها ،

أنت .. 

فكرت وأنا أعد مساوئ ارخسيس ،ونسيت مساوئي ،فوقفت قليلاً ، 

ثم انهمرت دموعي ، وقلت 

أنت أمي التي تركتها تبكي وذهبت لأعيش وحدي لأني لم أعد أطيق كلامها ،

أنت والدي الذي صرخت في وجهه حينما سألني لما عدت متأخراً ،

أنت صديقتي التي حطمت قلبها لأني كنت أريد بعض الوقت الممتع فقط ،

أنت تلك الفتاة التي استغلت صورها لأمور دنيئة 

، أنت مالي الذي أصرفه على أتفه الأمور ولا أتذكر منه أمي بحبة برتقال 

، أنت أخي الذي طلب مني ديناً ورفضت وصرخت بوجهه “بل أعمل وأحصل على المال” ،

أنت موظف عندي طردتك حتى أثبت شخصيتي أمام الموظفين ،

أنت تلك الموظفة التي أجعلها تقوم بكل أعمالي ثم أقوم بفخر لأخبر الناس إني قمت بالعمل على أتم وجه ،

أنت أصدقائي الذين أسخر من معتقداتهم و أهزء بهم أمام الناس ،

انت .. 

لم أستطع ان أخفي تلك الغصة في هذه اللحظة ، عم صمت مخيف وكانت كل الكائنات تستمع إلي وتنتظر ما سأقول : 

أنت .. 

أنت أبي الذي توفي بعد أن خاصمته عاماً كاملاً وعندما توفيت تركت لي رسالتك الملطخة بدموعك “ إني أحبك يا يزن ، أتمنى لك حياة سعيدة ناجحة ، والدك و أخوك ، وصديقك أحمد” 

اوهناك أعظم من هذا ؟ بل إنني أظن لو إني قلتها وحدها لكفتني أو نحن البشر سيئون لهذه الدرجة ؟ هل كل اسائتنا لكوكبنا وللناس من حولنا تساوي دمعة واحدة من أهلنا ؟ لا أظن ذلك ،

أنت خطيئتي يا ثرانوس، أنت حياتي الخاطئة ، اوتعلم ؟ إني استحق الموت ، اقتلني الآن فلست خائفا من أن أموت

فنهض عن كرسيه وقال :

“أنا ثرانوس ، أنا خطيئتك، أنت صنعتني بيدك ، وأنا سأنهي حياتك بيدي “ 

ثم أمسك بعصاً تشبه الشوكة بيده وغرزها في ضلوعي 

لم أشعر بألم العصا بقدر ما شعرت بألم على ما فعلته في حياتي ، أغمضت عيني التي ينهمر منها شلال الدموع ، ثم وبعد ثوان ؛ استيقظت على صوت الطرقة ذاتها ،

لم أنهض من السرير ، لقد كنت أبكي بشدة على ما فعلته ،

احتضنني قريني ، وقال لي :

ألم تسمع أن قرينك يحتضنك عند حزنك ؟

قلت : بلى ، ولكني كنت أظنها من الخرافات ! 

“حسناً الآن تعلم أنها ليست كذلك ، أنهض ولا تضيع المزيد من الوقت ، ف 365 يوماً كافيين لتعاستك ، لست بحاجة إلى هذه الساعات الإضافية 

نهضت من السرير ، ومسحت دموعي ، واتجهت إلى الكتاب ، ورأيت الصفحة الثانية وقد كتب عليها: 

“ القفز أو الشيطان “ 

إن خطاياك من صنع يديك ، وأنت وحدك مسؤول عنها ، وأعلم أنه سيأتي اليوم الذي ستقتلك فيه هذه الخطايا التي ترتكبها ، فواجه خطاياك ولا تهرب منها مهما كانت العواقب ، فحبل الكذب قصير ، والموت أفضل من حياة فيها عذاب الضمير 

خطيئتك صنع يديك، هي من ستقضي عليك، أنت من بدأتها أما هي ؛ فهي من ينهي حياتك .

لا تخف منها بل واجهها ، لأن موتك دونها خير من حياتك هرباً من عودتها عليك .

اقلب الصفحة إلى اليوم الجديد 

مسحت ما تبقى من دموعي ، مع شعور صغير من راحة الضمير بعد ما حصل في الأمس واعترافي بأخطائي و حماس لاستقبال هذا اليوم وتحدي ما ينتظرني بعزم وقوة 


تعليقات